كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أي: إذا كالوا للناس أو وزنوا لهم {يُخْسِرُونَ} أي: ينقصون. هذا هو موضع الذمِّ ومجال اللوْم في الآية؛ لأن الإنسان لا يُلام على أنه استوفى حَقَّه، بل يُلام على أنه لم يُسَوِّ بينه وبين الآخرين، ولم يعامل الناس بمثل ما يحب أنْ يُعاملوه به.
ونلاحظ أن الكثيرين يفهمون أن التطفيف يكون في الكَيْل والميزان فحسب، لكنه أيضًا في السعر، فالبائع الذي ينقصك الكيلو عشرين جرامًا مثلًا فقد بخسَك في الوزن، وطفَّف عليك في الثمن أيضًا.
ثم يقول تعالى: {وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ..} [الإسراء: 35] أي: اجعلوا الوزن دقيقًا مستقيمًا لا جَوْرَ فيه.
والمتأمل يجد أن الحق سبحانه وتعالى حينما أراد دقة الأحجام في تعاملات الناس أمرهم بإيفاء الكيل حَقَّه، هكذا: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ..} [الإسراء: 35]
أما في الوزن فقد ركز على دِقَّته، وجَعَله بالقسطاس، ليس القسطاس فحسب بل المستقيم، إذن: لماذا هذه الدِّقة في الميزان بالذات؟
لو نظرتَ إلى عملية الكيْل لوجدتها واضحة مكشوفة، قَلَّما يستطيع الإنسان الغِشَّ فيها، وكثيرًا ما ينكشف أمره ويُعلَم تلاعبه؛ لأن الكيْل أمام الأعين والتلاعب فيه مكشوف.
أما الوزن فغير ذلك، الوزن مجال واسع للتلاعب، ولدى التجار ألف طريقة وطريقة يبخسون بها الوزن دون أن يدري بهم أحد؛ لأن الميزان كما نعلم رافعة من النوع الأول، عبارة عن محور ارتكاز في الوسط، وكِفَّة القوة في ناحية، وكِفَّة المقاومة في الناحية الأخرى، فأيُّ نَقْص في الذراعين يفسد الميزان، وأيُّ تلاعب في كِفة القوة أو المقاومة يفسد الميزان.
ولو تحدثنا عن ألاعيب البائعين في أسواقنا لطال بنا المقام؛ لذلك أكد الحق سبحانه وتعالى على الدقة في الميزان خاصة؛ لأنه مجال واسع للغشِّ والخداع وأَكْل أموال الناس.
وسبق أن أوضحنا أن ميزان كُلِّ شيء بحسبه، ويتناسب مع قيمته ونفاسته، فالذي يزن الجير مثلًا غير الذي يزن اللوز، غير الذي يزن الذهب أو الألماس؛ لذلك من معاني القسطاس المستقيم أن يتناسب الميزان مع قيمة الموزون، فالذي يبيع الذهب مثلًا يزن أشياء ثمينة مهما كانت قليلة في الميزان؛ فإنها تساوي الكثير من المال.
لذلك فإن أهل الخبرة في هذه المسألة يقولون: احذر أن يُدخِل البائع رأسه قريبًا من الميزان؛ لأنه قد ينفخ في كِفَّة الميزان، ولاشكَّ أنك ستخسر كثيرًا من جَرَّاء هذه النفخة!! لذلك نقول لهؤلاء الذين أخذت أيديهم على الغش والخداع في البيع والشراء: أنت تبيع للناس شيئًا واحدًا وتغشهم فيها، وفي الوقت نفسه تشتري أشياء كثيرة من متطلبات الحياة، فاعلم جيدًا أنك إنْ غششْتَ الناس في سلعة واحدة فسوف تُغشّ في مئات السلع، وأنت بذلك خاسر لا محالة. مهما دارت بك الأوهام والظنون فحسبت أن المسألة في صالحك.
ولا تنسَ أن فوقك قيُّومًا، لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا تخفي عليه من أمرك خافية، وسوف يُسلِّط عليك مَنْ يسقيك بنفس كأسك إلى أنْ تتبينَ لك حقيقة هذه الصفقة الخاسرة؛ لأنك إن عَمَّيْتَ على قضاء الأرض فلن تُعمِّي على قضاء السماء، وسوف تذهب هذه الأموال التي اختلستها من أقوات الناس من حيث أتت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أصاب مالًا من مهاوش أذهبه الله في نهابر».
وكذلك في المقابل: مَنْ صدق الناس، ووفّى لهم في بيعه وشرائه وتعاملاته يسَّر الله له مَنْ يُوفِّي له ويصدُق معه.
ثم يقول تعالى: {ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [الإسراء: 35]
{ذالِكَ} أي: الوزن بالقسطاس المستقيم {خير وأحسن تَأْوِيلًا} أي: عاقبة، ومعنى ذلك أن المقابل له ليس خيرًا ولا أحسن عاقبة. فالذي يغش الناس ويخدعهم يظن أنه بغشِّه يزيد في ماله ويجلب الخير لنفسه.
نقول له: أنت واهم، فليس في الغش والبخس خير سيُجرِّئ الناس عليك فيغشوك، هذه واحدة ثم لا يلبث الناس أن يكتشفوا تلاعبك في الكيل والميزان فينصرفون عنك ويقاطعونك.
إذن: عدم الوزن بالقِسْطاس المستقيم لا هو خَيْر، ولا هو أحسن عاقبة.
أما التاجر الصادق الذي يُوفِي الكَيْل والميزان، فإن الله تعالى ييسر له من يوفي له الكيل والميزان، وكذلك يشتهر بين الناس بصدقه وأمانته، فيقبلون عليه ويحرصون على التعامل معه. وهذا هو المراد بقوله تعالى: {ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [الإسراء: 35] أي: احسن عاقبة..
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...}.
ينتقل الحق سبحانه وتعالى إلى قضية أخرى تُنظِّم حركة الحياة والإنسان الذي استخلفه الله في الأرض ووهَبه الحياة وأمدَّه بالطاقات وبمُقَوِّمَات الحياة وضرورياتها.
وبعد أنْ تكفّل له بالضروريات، دَلّه على الترقِّي في الحياة بالبحث والفكر، واستخدام العقل المخلوق لله، والمادة المخلوقة لله بالطاقات المخلوقة لله، فيُرقِّي ويُثري حياته ومجتمعه.
وحركة الترقِّي والإثراء هذه لا تتمّ إلا على قضية ثابتة واضحة، فإذا تحركتَ في الحياة بناءً على هذه القضية فسوف تصل إلى النتيجة المرجوّة.
فمثلًا، الطالب الذي يرغَب في دخول كلية الحقوق مثلًا، لديه قضية واضحة مجزوم بها، فعندما يلتحق بالحقوق يجتهد، ويصل من خلالها إلى طموحاته؛ لأنه سار على ضَوْء قضية اقتنع بها.
إذن: لابد أن تُبْنَى حركة الحياة على قضايا ثابتة، هذه القضايا الثابتة تجعل المتحرِّك في أيِّ حركة واثقًا من أن حركته ستُؤدِّي إلى النتيجة المطلوبة، فلو أردتَ مثلًا الذهاب إلى الإسكندرية أو إلى أسوان، فلن تتحرّك إلا إذا تأكدتَ أن هذا الطريق هو الموصِّل إلى غايتك، وكذلك حركة الحياة لا يمكن أنْ تتمَّ إلا بناءً على قضايا حقيقية مضبوطة في الكون، وهذا ما نسميه العلم.
وقد سبق أن أوضحنا معنى القضية، وأنها المقولة التي يُحكَم على قائلها بالصدق أو الكذب، كأن نقول: الأرض كُروية، أو الشمس مضيئة، أو القمر منير، وهذه القضايا تعطيني قضية علمية مجزومًا بها وواقعة، ويمكن أنْ نُدلِّل عليها. وهذا هو العلم.
أما الجهل فأنْ تجزم بقضية ليست واقعية فهي قضية كاذبة، وليس الجهل عدم العلم كما يعتقد البعض؛ لأن عدم العلم أمية، والأميّ ليس عنده قضية لا صادقة ولا كاذبة.
لذلك تجد الأميّ أطوعَ في التعلم من الجاهل؛ لأن الأمي بمجرد أنْ تُعلِّمه قضية ما يأخذها ويتعلمها، أما الجاهل فيلزمك أولًا أن تُخرِج من ذهنه القضية المخالفة، ثم تُعلّمه القضية الصادقة.
وقضايا الحياة يمكن أنْ تُقسِّم إلى قسمين:
قضايا تختلف فيها الأهواء.
وقضايا تتفق فيها الأهواء.
فالقضايا التي تختلف فيها الأهواء: هي القضية التي يخدم بها كل قائل لها فكرةً عنده فقط، وإنْ كانت ضارة بغيره، فما دام الأمر قائمًا على الأهواء فلابد أنْ تختلفَ، فكُلٌّ له هواه الخاص، فلو أن لكل واحد قضية ما التقينا على شيء أبدًا.
وصدق الحق تبارك وتعالى حين قال: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ..} [المؤمنون: 71]
إذن: فما المخرج من هذا الاختلاف والتبايُن؟ المخرَج أن يخرج كل واحد مِنَّا من هوى نفسه أولًا، ثم نرد القضية التي اختلفتْ فيها أهواؤنا إلى مَنْ لا هوى له.
وربُّكَ سبحانه وتعالى هو وحده الذي لا هَوى له، ونحن جميعًا خَلْقه، وكلنا عنده سواء، ليس منا مَنْ بينه وبين الله نسب أو قرابة، فشرع الله واحد للجميع، ولا غضاضة فالكل خاضع لهذا الشرع مُتّبِع له؛ لأنه شَرْع الخالق سبحانه لا شَرْع أحد من الناس.
لذلك اشتهر قولهم: اللي الشرع يقطع صباعه مَيْخُرش دم.
فأنا لم أخضع لك، وأنت لم تخضع لي، بل الجميع خاضع لله تعالى مُنصَاع لأمره. إذن: اتركوا قضايا الأهواء لله تعالى يُشرّعها لكم لكي ترتاحوا من تسلُّط بعضكم على بعض.
أما القضايا التي تتفق فيها الأهواء فهي القضايا المادية القائمة على المادة الصمَّاء التي لا تُجامِل أحدًا على حساب أحد، ولا مانعَ أن تتبعوا الآخرين فيها؛ لأنكم سوف تلتقون عليها قَهْرًا ورَغْمًا عنكم، فالمعمل الذي تدخله لتجري التجارب التي توصلك لقضية ما مادية أو كيماوية معمل محايد لا يجامل أحدًا.
وقد سبق أن قلنا: إن الكهرباء أو الكيمياء ليس فيها روسي وأمريكي؛ لأن هذه أشياء مادية لا خلافَ عليها، أما الذي جعل المعسكر الشرقي يختلف والمعسكر الغربي هي القضايا الأهوائية، فهذا شيوعي، وهذا رأسمالي.
لذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم وضع بنفسه هذا المبدأ في الوجود الإيماني حينما رأى الناس يُؤبّرون النخل، فأشار عليهم بعدم تأبيره، فأطاعوه ولم يؤبروا النخل في هذا العام، وكانت النتيجة أن شاص النخل ولم يثمر، وأثبتتْ التجربة الطبيعية أن ما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس صوابًا.
يأتي هذا مِمَّنْ؟ من محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله، الذي يحرص على أن تأتي كل قضاياه صادقة صائبة، وما كان منه إلا أن قال: «أنتم أعلم بشئون دنياكم».
ليضع بذلك أُسْوة لعلماء الدين ألاَّ يضعوا أنوفهم في قضايا الماديات، وقد قال الحق تبارك وتعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} [البقرة: 60] ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به».
فإنْ أردتَ أنْ تتحرَّك في الحياة حركة سليمة مجدية، وحركة متساندة مع إخوانك غير متناقضة؛ فالحق سبحانه يقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ..} [الإسراء: 36] لكي تسير في حركة الحياة على هُدىً وبصيرة.
{لاَ تَقْفُ} أي: لا تتبع ولا تتدخل فيما لا عِلْم لك به، كمَنْ يدَّعي مثلًا العلم بإصلاح التليفزيون وهو لا يعلم، فربما أفسد أكثر مما يُصلح.
ومن هنا قال أهل الفقه: مَنْ قال لا أدري فقد أفتى؛ لأنه بإعلان عدم معرفته صرف السائل إلى مَنْ يعلم، أما لو أجاب خطأ، فسوف يترتّب على إجابته مَا لا تُحمد عُقْباه، والذي يسلك هذا المسلك في حياته تكون حركته في الحياة حركة فاشلة.
والفعل يَقفْو مأخوذ من القفا وهو المؤخرة، وقد قال تعالى في آية أخرى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا} [الحديد: 27] أي: أتبعناهم.
ويقفو أثره أي: يسير خَلْفه.
وحينما نصح أحدهم رجلًا يريد أنْ يتزوج قال له: لا تتخذها حنَّانة، ولا منَّانة، ولا عُشْبة الدار، ولا كبة القفا. فالحنانة التي لها ولد من غيرك يذكرها دائمًا بأبيه فتحِنّ إليه، والمنّانة التي لديها مال تَمنُّ به عليك، وعُشْبة الدار هي المرأة الحسناء في المنبَتِ السوء والمستنقع القذر، وكبَّة القفا هي التي لا تعيب الإنسان في حضوره، وتعيبه وتذمه في غيبته.
والعلم هنا يُراد به العلم المطلق؛ لأن الكثير من الناس كان يعتقد أن العلم يعني العلم الديني فقط، لكن العلم هو كل ما يُثري حركة الحياة، والعلم علمان:
علم ديني، وهو الذي يقضي على الأهواء، ويُوحِّدهَا إلى هوىً واحد هو الهَوى الإيماني.
وهذا العلم يتولاّه الخالق سبحانه، وليس لنا دَخْل فيه؛ لأن الصانع أَدْرى بصنعته، وهو الذي يضع لها قانون صيانتها؛ لأنه يعلم مَا يصلحها ومَا يفسدها.
وكما أنك لا تذهب إلى الجزار ليضع لك قانون صيانة الإنسان إلا من خالقه عز وجل: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] وهذا النوع من العلم قال الله تعالى عنه: {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ..} [الحشر: 7] فليس لنا أنْ نتدخَّلَ فيه، أو نزيد عليه؛ لأنه منهج الله الذي جاء بافعل ولا تفعل، وهو منهج لا يقبل الزيادة أو التعديل، فما كان فيه أمر ونهي فعليك الالتزام به، وإلا لو خرجت عن هذا الإطار الذي رسمه لك ربك وخالقك فسوف تحدث في الكون فسادًا بترك الأمر أو بإتيان النهي. أما الأمور التي تركها الخالق سبحانه ولم يرد في شأنها أمر أو نهي فأنت حر فيها، تفعل أو لا تفعل.
والمتأمل في شرع الخالق سبحانه يجد أمور التكليف بافعل ولا تفعل قليلة إذا ما قيست بالأمور التي ترك لك الحرية فيها، إذن: فدع لربك وخالقك والأعلم بك مجالًا يحكم من خلاله حياتك وينظمها لك، ألا يجد بنا ونحن عباده وصنعته أن نُحكّمه في أمور ديننا، ونُخرِج أنوفنا مما اختص به سبحانه؟
أما النوع الآخر من العلم، فهو العلم المادي التجريبي الذي لا يخضع للأهواء، فقد جعله الخالق سبحانه مجالًا للبحث والتسابق، ومضمارًا يجري فيه الجميع؛ لأنهم في النهاية سيلتقون فيه قَهْرًا ورَغْمًا عنهم. وقد أعطانا الحق سبحانه وتعالى مثالًا لهذا النوع من العلم، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ..} [فاطر: 27-28]
فذكر الحق سبحانه أجناس الوجود كلها: الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد. ثم ختم ذلك بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ..} [فاطر: 28] فهذه ظواهر الكون، ارْبَع فيها كما شئت بحثًا ودراسة، وإنْ أحسنتَ الإمعان فيها فسوف تُوصِّلك إلى ظواهر أخرى تُثري حياتك وتُرقّيها، فالذي اكتشف عصر البخار، والذي اكتشف العجلة والكهرباء والجاذبية وغيرها لم يخلق جديدًا في كَوْن الله، إنما أحسن النظر والتأمّل فتوصّل إلى ما يُريح المجتمع ويُسعده.
لذلك، فالحق سبحانه وتعالى يُحذّرنا أن نمرَّ على ظواهر الكون في إعراض وغفلة ودون تمعُّن فيها: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] والذين عبَّروا عن هذه الإنجازات العلمية بكلمة الاكتشافات كانوا أمناء في التعبير عن الواقع الفعلي، فهم لم يخلقوا جديدًا في الكون، فكلُّ هذه الأشياء موجودة، والفضل لهم في الاهتداء إليها واكتشافها، ومن هنا فكلمة اختراع ليست دقيقةً في التعبير عن هذه الاكتشافات.